كان سيدنا " أيوب " عليه السلام ، قبل أن ينزل عليه البلاء وبعد أن زال ، من الأنبياء الأغنياء ، يسكن في قرية له اسمها " البثنية " وهي أحدى قرى "حوران " في أرض الشام بين مدينة " دمشق " و " أذرعات " في الأردن وقد أتاه الله تعالى الأملاك الواسعة والأراضي الخصبة والصحة والمال وكثرة الأولاد ، وكان عليه السلام شاكرا لأنعم الله ، مواسيا لعباد الله ، برا رحيما بالمساكين ، يكفل الأيتام والأرامل ، ويكرم الضيف ويصل المنقطع .
ثم إنه وقع في البلاء الشديد والعناء العظيم ، وليس ذلك لأنه هيّن على الله ، إنما ابتلاء من ربه له ليعظم ثوابه وأجره ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل " .
وهكذا يصير الناس إذا ذكروا بلاء " أيوب " وصبره على مر السنين مع كونه أفضل أهل زمانه ، عوّدوا أنفسهم على الصبر على الشدائد كما فعل " أيوب " إذ أنه أبتلي كما قيل بأن جاءت الشياطين إلى أمواله فأحرقتها وفتكت بأغنامه وإبله وعبيده ، وخربت أراضيه ، فلما رأى " أيوب " ما حل به لم يعترض على الله تعالى بل قال : " لله ما أعطى ولله ما أخذ فهو مالك الملك ، وله الحمد على كل حال " .
وعادت الشياطين إلى أفاعيلها وفسادها فسلطت على أولاد " أيوب " الذين كانوا في قصر أبيهم ينعمون برزق الله تعالى ، فتزلزل القصر بهم ، حتى تصدعت جدرانه ووقعت حيطانه ، وقتلوا جميعا ولم يبق منهم أحد. وبلغ " أيوب " الخبر فبكى لكنه لم يقابل المصيبة إلا بالصبر . امتلاء إبليس وأعوانه غيظا مما صدر من " أيوب " عليه السلام من صبر وتسليم لقضاء الله وقدره ، وأصيب " أيوب " بأمراض شديدة عديدة ، لكنه لم يخرج منه الدود كما يذكر بعض الناس الجهال ، وإنما اشتد عليه المرض والبلاء حتى جافاه القريب والبعيد ولم معه إلا القلة القليلة ، لكن زوجته بقيت تخدمه وتحسن إليه ذاكرة فضله وإحسانه لها أيام الرخاء .
ثم طالت مدة هذه العلة ولم يبق له شيء من الأموال البتة ، وامرأته باعت نصف شعرها لبنات الملوك لأجل تحصيل القوت " لأيوب " وكان يزوره اثنان من المؤمنين فارتد أحدهما وكفر ، فسأل " أيوب " عنه فقيل له : " وسوس إليه الشيطان أن الله لا يبتلي الأنبياء والصالحين ، وأنك لست نبيا ، فحزن سيدنا " أيوب " لهذا الأمر وتألم لارتداد صحابه عن الإسلام فدعا الله أن يعافيه ويذهب عنه البلاء ، فلا يرتد أحد من المؤمنين بسبب طول بلائه . رفع الله تعالى عن نبيه " أيوب " عليه السلام البلاء بعد مرور ثمانية عشر عاما ، كان فيها " أيوب " صابرا شاكرا ذاكرا مع شدة بلائه ، وأوحى إليه أن يضرب الأرض برجله فضربها فنبعت عينان شرب من واحدة فتعافى باطنه واغتسل بالأخرى فتعافى ظاهره ، وأذهب الله عنه ما كان يجده من الألم والأذى والسقم والمرض ، وأبدله بعد ذلك صحة ظاهرة وباطنة وجمالا تاما ولما اغتسل من هذا الماء المبارك أعاد الله لحمه وشعره وبشره على أحسن ما كان ، وأنزل له ثوبين من السماء أبيضين ، التحف بأحدهما من وسطه ، ووضع الآخر على كتفيه ثم أقبل يمشي إلى منزله ، وأبطأ على زوجته حتى ليقيته من دون أن تعرفه فسلمت عليه وقالت : " يرحمك الله ، هل رأيت نبي الله المبتلى وقد كان أشبه الناس بك حين كان صحيحا " قال : " أنا هو " ورد الله إلى زوجة سيدنا " أيوب " شبابها ونضارتها فولدت له سبعة وعشرين ذكرا عوضا عن الذين ماتوا سابقا ، وأقبلت سحابة وصبت في بيدر قمحه ذهبا حتى امتلاء ، ثم أقبلت سحابة أخرى إلى بيدر شعيره وحبوبه فسكبت عليه فضة حتى امتلاء ، ثم حدثت له معجزة أخرى إذ أرسل الله تعالى سحابة على قدر قواعد داره فأمطرت ثلاثة أيام بلياليها جرادا من ذهب . وقد رفع الله تعالى عن " أيوب " الشدة وكشف ما به من ضر رحمة منه ورأفة وإحسانا ، وجعل قصته ذكرى للعابدين ، تصبر من ابتلى في جسده أو ماله أو ولده ، فله أسوة بنبي الله " أيوب " الذي ابتلى بما هو اعظم من ذلك ، فصبر واحتسب حتى فرّج الله عنه . وعاش " أيوب " عليه السلام بعد ذلك سبعين عاما يدعو إلى دين الإسلام ، ولما مات غيّر الكفار الدين وعبدوا الأصنام والعياذ بالله تعالى .